السبت، ٢٢ أغسطس ٢٠٠٩

ضحايا الحب للشيخ عائض القرني

الحب في لغة الـهوي حرفان *** لكنه يوم النوى لغــتان
لغة القلوب ولا يفك رموزها *** إلا فؤاد دائم الخفقان
متوهد بهليب ذكري لو هوت *** في البحر ظل البحر في هيجان
ومضرج بدم الشهادة معلناً *** أسماء من ذبحوا علي القربان
ذابت حشاشة ورق خطابه *** فتجاوبت لحنينه العينان
بعثت له بالدمع ألف رسالة *** مظروفة بكمائم الأجفان
فإذا قرأت حروفها في ليلة *** أيقنت أن الحب شئ ثان
الحب ليس قصيدة عربية *** محبوكة الأطراف والأوزان
الحب ليس رواية منسوجة *** للعرض والأعلام والإعلان
الحب ليس تهتكا وتهافتاً *** وتظاهراً بمرارة الحرمان
الحب ليس من الدعي مقالة *** منحوتة بعجائب البلدان
كلا وليست خيمة بدوية *** مضروبة الأطنان في الصوان
ما كان حباً مسرحية عابث *** أدوارها تصميك بالدوران
الحب أن يقف الفؤاد مولهاً *** أنفاسه من لاهب النيران
لو سال من جسم المحب دماؤه *** كتبت حروف الحب في الجدران!
ترمي العيون إليه وهي نواعس *** سهمين من وصل ومن هجران
فإذا التقي سهم الوصال بقلبه *** هزته ذكر ملاعب الولدان
وإذا أتي بالهجر سهم صائب *** فهو الشهيد بساحــة الميدان
وتثير أنفاس الصباح بروحه ‍ *** أشواق من رحلوا من الأوطان
فيظل في بحر التذكر باكياً *** ما عاد من صبر ومن سلوان
وإذا الصبا هبت وحل أريجها *** هجر الكرى ومجالس الإخوان
لو مر طيف حبيبه بمنامة *** لارتاع وهو يعد في الشجعان ‍!‍
أما الضلوع فلو لمست لهيبها *** لظننتهـا مـن لاهب النيران ‍!
هجر الرقاد وقد تصدق بالكرى *** فكأنه يشكو إلي الدبــران
خلعت له الجوزاء من أسمالها *** ثوب السهاد بليلة الأحـزان
وكساه حتى الليل بردة عاشق *** تغنيه عن خلع وعن قمصان
تلقاه مفجوعاً يقلب كفه *** متلهفاً كـالواله الحــيران
فإذا غفا فحبيبه في جفنه *** متمثلاً في صـورة الخجلان
وإذا صحا من يهوي غدا *** في كل ناحية وكل زمــان
إن لاح برق قال بسمة عاشق *** أو ناح رعد قال صوت فلان!
والصبح طلعة وجهه وجماله *** والغيث يشبه دمع من يهواني!
ونشيد طير الروض يحيي ميتاً *** من شوقه في سالف الأزمان
فهو المعذب ما قد راعه يحنو له *** حساده فهو البعيد الــداني
يا لائمي في الحب ليتك ذقنه *** وسقاك من جفنيه من أسقاني!
إن كنت تعذلني فجرب ساعة *** هجر المحب وفرقة الخلان
فلسوف تعذرني وتفقه قصتي *** وتبيت أنت مجرح الأركان
أنا ما هويت مربرباً ألحاظه *** سحر وفوق لماته خالان
ورموشه كسيوف هند اشرعت *** ضرباتها تهدي الردى لجنان
وعلي الجبين من الجمال مهابة *** وحلاوة من منطق فتان
فالنور من تلك الثنايا ذائب *** والشهد ترشف شمعة شفتان
وكلامه سحر حلال مترف *** ينسيك عذب معازف العيدان
وكلامه سحر حلال مترف *** لا يصح سامعه من الإدمان
سكر من النغم البريء وآخر *** من دفء حب إنه سكران
قالوا الثريا علقت بجبينه *** وتوضأت بضيائها كفان
ما روضة فيحاء باكر الندي *** والغيث مساها علي إبان
والمسك في أعطاف كل خميلة *** ما شئت من شيح ومن ريحان
والطل في أردانها متمارج *** لله من طل ومــن أردان
يوماً بأذكى من تضوع عطره *** كلاً ولا في الحسن يستويان
لم يسبني هذا ولم أهدي له *** حبى ولم أراهن عليه جناني
كلا وما أحللته من مهجتي *** روضاً وما اسكنته بستاني
عهد الزيانب كله أنسيته *** وذكرت كل العمر ما أنساني!
حبي لمن منح الجميل وزادني *** شرفاً وبصرني الهدي وحباني
حبي لمالك مهجتي ولخالقي *** ولرازقي هو صاحب السبحان
شرفي بأرني عبده يا فرحتى *** والفخر لي بعبادة الرحمن
وعليه سار الفائزون جميعهم *** متوهجين إلي عظيم الشان
ولأجله بذلوا النفوس وعلقت *** تلك الجماجم والتقي الجمعان
سالت علي حد السيوف دماؤهم *** وسعوا دامي الملابس قاني
ومقطع الأوصال يسحب جسمه *** فوق اللظي، يشوي علي الصوان
ومبعثر الأشلاء لو جمعته *** ألفيته بحواصل الغربـــان !
قتلوا لأجل محبهم وحبيبهم *** وسواهمو لمحبـــة النسوان!
فاعرف( ضحايا الحب) وافعل فعلهم *** إن كان ذاك الفعل في إمكان
فإذا جبنت من القتال وخفت من *** وهج السيوف وزحمة الشجعان
وخشيت من وخز الرماح ولم تطق *** ضرب الردى من فارس طعان
وبخلت بالنفس النفيسة موقناً *** أن العلا حرمت علي الكسلان
فاهجر فراشك والمنام مهللاً *** يوم الاذان يضج في الآذان
واحضر إلي الصف المقدم ضارعاً *** متملقاً للواحـــد الديان
واسكب دموعاً لا تصان لموقف *** عند العظيم مصور الأكوان
واهتف بصوت خافت متخشع *** متصدع لعجائب القــرآن
ومعفراً منك الجبين ومعلناً *** ندمـاً بنطق مقصر خجلان
فإذا أبيت ولم تطق هذا ولم *** تقدر عليه لسطوة الشيطان
فتمن موتاً عاجلاً وارحل فما *** أقسى البقاء لمفلس خسران!

ليست هناك تعليقات: